بسم الله الرحمن الرحيم ، والصلاة والسلام على من لانبي بعده وبعد
لن اخوض في كلمة التقوى كي لااطيل عليكم ولأن معناها قد مر عليكم في دراستكم بشكل متكرر
مااردت ايراده هنا هو شي من الخواطر حول هذه الكلمه العظيمه .
وردت هذه الكلمه العظيمه في كتاب الله على اختلاف اشتقاقاتها ، كما وردت في احاديث النبي
صلى الله عليه وسلم ، الأمر الذي اعطاها الطابع الديني والصبغه الشرعيه .
ولكن هل وردت هذه الكلمه في كلام العرب قبل الاسلام ؟ وبأي معنى وردت ؟
يقول زهير بن ابي سلمى في معلقته الفريده _ وكما تعلمون ان زهيرا هو صاحب الحوليات وهو
وهو حكيم الشعراء وصاحب من ومن _ يقول
وَمَنْ يَجْعَلِ المَعْروفَ مِنْ دُونِ عِرْضِهِ
يَفِـرْهُ
وَمَنْ لا يَتَّقِ الشَّتْـمَ يُشْتَـمِ
اذن هي كلمه معروفه قبل الاسلام ومتداوله او متعاطاه .
سوف اكتب مايصوغه قلمي حول مفهوم كلمة التقوى عبر العصور ، على حسب فهمي وإملاء خواطري وضوء دراستي ، بعيدا جدا عن الكتابه المنهجيه الممله ، وباسلوب في المتناول .
مااريده هنا هو ان اجعل الكلمه تفصح عن نفسها بتحريرها من العرف الديني الذي قيدها ، واطلاقها الى افق ارحب في فضاءات المعاني .
هنا لن استعمل القاموس ، ولن اتقعر في اللغة ، كل مافي الامر أننا بحاجه الى التدبر ، وايراد
الأمثله الموضحه .
اذن ماهي مجالات استخدام الكلمه في العصر الجاهلي ؟
في العصر الجاهلي والاسلامي كان المعنى واحدا ، الا انها في صدر الاسلام اتسمت بسمة الدين
وانحصرت تقريبا في اتقاء عذاب الله واتقاء النار ، وهذ الانحصار لانعزه الى القرآن فالقرآن اعم واشمل واعظم واكمل ، ولكن نرده الى تديرنا او بالأصح الى العلماء المفسرين الذين يرونا الحقائق من خلال منظورهم وهنا تكمن المشكله .
اذن قلنا ان كلمة التقوى لم تتغير مدلولاتها خلال العصرين ، واستخداماتها في القرآن الكريم واسعة الدلائل ، ماعليكم الا التدبر في آياته العظيمه ، ونريد ان نقف على بعض الامثله :
﴿ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ ﴾
( سورة الطور: 18 )
﴿ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ ﴾
( سورة التغابن: 16 )
وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ (81)
( [فقط الأعضاء المسجلين والمفعلين يمكنهم رؤية الوصلات . إضغط هنا للتسجيل]( 28 ) )
=======================
وفي الكلام تأتي بمعنى حجاب يخفي عن الانظار أو جدار يمنع بأس الأعداء
أو حاجز يحول بين المرء وبين مالايطيق .
فقطعة القماش مثلا التي يلتقط بها الأشياء تعتبر واقية ، والحذاء الذي يجنبنا
حر الرمضاء والشوك وخلافه يعتبر واقي وهكذا .
عندما يستتر الشيء خلف ساتر _ كالشمس خلف الجبل _ او عندما يبتعد الشيء المتحرك حتى انه لايرى _ كالقافله عندما تبتعد عن الانظار ويعجز النظر عن رؤيتها من بعيد .
يقال ( اتّقى عمرو بالشجره ويقال الشجره اتْقْتْ عمرو )
ويقال ( اتّقِ الرمضاء بالحذاء ويقال أتْقْ رجليك بنعليك )
ويقال ( اتْقْتْ البيداء القافله ويقال اتّقت القافله عن الأنظار ) وهكذا .
لم يتغير الحال عنه في العصر الأموي والعباسي ولكن العصور التي تلتها كعصر
الدول المتتابعه وعصر المماليك التي خفت بها ضوء اللغة ، وكادت العجمه والجهل أن تودي بها لولا ان الله سلم ، لم يكن الوضع على مايرام .
وفي عصرنا الحديث تم التوسع والتخصص في اللغة في آن معا ، فمثلا كلمة الثقافه التي كانت ذو مدلولات واستخدامات محدوده في العصر الماضي ، اطلق لها العنان في كل ميدان في زمننا هذا . وغيرها من الكلمات الحيويه التي تفي بمستلزمات الترجمه _ وأنا اذ أتأسف على هذه الكلمه ولكن هذه الحقيقة ، فلغة العلم سائده في كل زمان ومكان ، وبما ان العلم غربي فاللغة الانجليزيه او اللاتينيه الأم هي المهيمنة على ألسنة البشر .
نعود لهذه الكلمه التي ظلمها هذا العصر بكل أسف ولم يأت لها بجديد كباقي الكلمات ماعدا في الاستخدامات الطبيه وما اندرج تحت مسمى الصحة بشكل عام .
التقوى تدخل في مدلولات احترافية في الاعمال الدنيوية :
فالتاجر المحترف هو من يتقي الخساره قبل ان يفكر بجني الارباح
والحاكم السياسي هو من يتقي كيد المنافسين كي يطول له البقاء
والفنان المشهور هو من يتقي اسباب الفشل قبل الأخذ بأسباب النجاح وهكذا .
خلاصة القول هو ان القرآن الكريم هو الذي فجّر الطاقات الكامنه لهذه الكلمه ، وجعلها ذات مدلولات واستعمالات واسعة . فلولا كلام الله لاندثرت هذه اللغة اندثار البئر المعطله .
هذا مااردت ايراد الخواطر حوله ، فاقبلوه بعجره وبجره ، ونقصه وخلله ، واسألوا لي التوفيق والسداد ، وعذرا ان أطلت دون نيل المبتغى ، والى ملتقى .
شكرا