نجران... منطقة من المناطق التي حباها الله سبحانه وتعالى بكثير من المقومات الهامة, يلفها الغموض أحيانا, ودقة الوضوح أحيانا أخرى, ولكي نفهم دلالتها لابد لنا أن نرجع للعبارات ودلالاتها مما سجلته أيدي الأوائل من كتب وفن منقوش على الأشجار والصخور تلك التي تنطق لغة غنية وتكون في متحفا طبيعيا وتاريخا خالدا.. ولقد تم اكتشاف آثار عديدة منها نقوش وكتابات بالخط المسند, وهو الخط الذي استخدمته دولة (حمير) بين 5115ق.م و(14م),وقد حلت رموز وإشارات النقوش الموجودة نضرا لقربها من الكتابة العربية, حتى انه عثر على نقوش هيروغليفية ومصرية قديمة في المنطقة بين قرية (القابل) شمالا (و السودا والحمر ) جنوبا يعود تاريخها للعصور الإسلامية الأولى, ووجدت نقوش كوفية أخرى على صخور جبل (المسماة) الذي يقع على بعد 15 كم من منطقة نجران وبالإضافة إلى هذا كله تم العثور على رسوم للخيول والجمال والنعام والظباء والثعابين ومصنوعات يدوية هامة منها أدوات طحن الحبوب وبئر ارتوازية مبنية بطريقة هندسية دقيقة. إنها آثار( مدينة الأخدود)التاريخية أو مدينة( رقمات عاصمة نجران القديمة) وتقع آثار كعبة نجران على قمة جبل (تصلال) على بعد 25 كم من نجران, ولقد روي أنها بنيت عل أيدي (بني عبد المدان بن الديان الحارثي) حيث شيدت على طراز الكعبة المشرفة وأن العرب في الجاهلية حجوا إليها طيلة أربعين عاما. وعندما تتجه ببصرك غرب وادي نجران (جبل رعوم) تشاهد بناء ابيض صغير وهو قصر من القصور القديمة. وفي تاريخها القديم تعرضت نجران لحملات عسكرية عديدة, وتزودنا النقوش والكتابات بدليل تاريخي عن اقدم غزوة عسكرية تعرضت لها نجران في عام 660ق.م أي في فترة حكم المجرب وابنه يسع حيث تعرضت لحملة عسكرية ضخمة بقيادة الأخير ضد بعض القبائل قتل فيها الكثير من أهلها كما دمرت قرى عديدة, وتدل النقوش على لن الحياة ما لبثت أن عادت إليها ولكنها لم تدم طويلا حيث قام آخر ملوك سبأ بحملة عسكرية أدت إلى قتل العديد من السكان وتدمير عدد كبير من القرى وقد أشير إلى أن نجران تعرضت عام 24 م لحملة أخرى حين أراد الرومان في عهد أغسطس قيصر السيطرة على طرق التجارة الممتدة عبر جبال الحجاز وثغور البحر الأحمر، ويذكر أنه بمجرد صدور الأوامر قطع الجيش مسافة 2500 كم, وحاصر نجران حصارا قاسيا ثم احتلها ودمرها تدميرا كاملا, ولقد أكد بعض المؤرخين أن نجران انضوت بكامل أجزائها تحت حكم دولة (معين) ودلوا على ذلك بالنقوش المعينة التي عثر عليه بعضهم على طول الطريق الممتد من اليمن إلى ثغور البحر الأبيض المتوسط. وقبل دخول نجران في الإسلام كان سكانها يعتنقون النصرانية التي دخلت إليهم عن طريق التجار المسافرين إلى تلك المنطقة في القرنين الخامس والسادس الميلاديين. وفي عام 525 م طلب (ذو نواس ) آخر ملوك حمير من النجرانيين التحول من النصرانية إلى اليهودية وعندما رفضوا حاصرهم وقام بأسرهم واحرق من لم يذعنوا له في أخاديد جاء ذكرها في القران الكريم (سورة البروج ) الآيات من (1-7): (والسماء ذات البروج* واليوم الموعود*وشاهد ومشهود*قتل أصحاب الأخدود*النار ذات الوقود*إذ هم عليها قعود*وهم على ما يفعلون شهود). وقد افلت بعض النجرانيين من قبضة ( ذو نواس ) وكان من بينهم دوس بن ثعبان الذي استجار بإمبراطور الروم طالبا النجدة ورأى الإمبراطور فرصة مواتية لاحتلال الجزيرة العربية فأرسل جيشا قوامه سبعة آلاف مقاتل بقيادة (الرباط) ومعه (ابرهة الأشرم) (جاء ذكره في التاريخ على انه هو الذي حاول هدم الكعبة) وتمكن جيش(الرباط) من القضاء على دولة حمير ونتيجة لذلك ضلت نجران على مسيحيتها حتى ظهور الإسلام. ولقد نمت نجران في ذلك الحين حتى بلغت عدد قراها حوالي اكثر من 70 قرية تجمعت حول الوادي
ومع إشراقة شمس الإسلام على ربوع الجزيرة العربية بعث النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) خالد بن الوليد إلى نجران يدعو أهلها إلى الدين الإسلامي الحنيف وعاد خالد ومعه وفد من أهالي نجران لمقابلة النبي فلما قدموا عليه سألهم: بم كنتم تغلبون عدوكم فقالوا كنا نجتمع ولا نتفرق ولا نبدأ أحدا بظلم فقال: صدقتم و أرسل أمين الأمة أبى عبيده عامر بن الجراح ليعلم أهلها شرائع الإسلام وما أن دخلت نجران في الإسلام حتى بدأت أعداد المسيحيين تقل تدريجيا دون أن تختفي بشكل كلي إلا في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وقد عرفت نجران تطورا وازدهارا جمعت فيه بين تطورها المحلي وبين استفادتها من تطور الحضارة الإسلامية. وبناء على رغبة أهالي منطقة نجران وافق المغفور له جلالة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود على أن تكون نجران تحت الحكم السعودي,
ومن ذلك الحين شهدت نجران حقبة جديدة من التطور والازدهار. الحضارات التي مرت بها المنطقة
المرحلة الأولى: بدأت قبل اكثر من (1,5) مليون سنة من الوقت الحاضر واستمرت حتى حوالي 2000 ق.م وتعرف بحضارة العصر الحجري.
المرحلة الثانية: بدأت قبل سنة (1000) ق.م وشهدت نشأة مدينة نجران القديمة وازدهار التجارة البرية التي ساهمت في نشأة العديد من المدن التجارية الأخرى في أنحاء الجزيرة العربية خلال الألف الأول ق.م حيث أصبحت نجران خلال الفترة من 600ق.م إلى 300ق.م من ابرز المدن التجارية المميزة لحضارة جنوب الجزيرة العربية وكانت تقوم على نفس موقع الأخدود الحالي حيث كانت تقوم فيه النقوش باسم ن ج ر ن,وتمثل القلعة ابرز معالمها.
المرحلة الثالثة: بدأت بحلول عام300ق.م و انتهت بحلول فجر الإسلام وتعرف بالفترة البيزنطية وتمثلت في شمال شرق الموقع (شمال شرق القلعة) وكانت حادثة الأخدود ابرز حادثة في تلك الفترة حيث كانت نجران تشكل جزء من اتحاد سياسي يضم إلى جانبها دولة كنده بزعامة الدولة الحميرية. وكانت البداية المتبعة آنذاك المسيحية التي انتشرت في نجران وآمن بها الناس مما سبب في وقوع حادثة الأخدود كما أسلفنا
.
المرحلة الرابعة: المرحلة الإسلامية والتي بدأت في السنة التاسعة والعاشرة للهجرة حيث لم يعد للأخدود مكان التجمع الرئيسي في نجران وإنما انتشر العيش خارج الموقع في أنحاء متفرقة من الوادي, حيث تذكر المصادر التاريخية أن نجران قبل الإسلام بقليل في فجر الإسلام كانت سوق من أسواق العرب المشهورة واستمرت المدينة آهلة بالسكان حتى القرن الرابع الهجري حيث يوجد دلائل أثرية في المتحف تشير إلى أن الاستيطان في نجران لم يتوقف والأرجح أنه استمر حتى الوقت الحاضر. نجران بأقلام المؤرخين - يقول الكاتب محمد بن أحمد العقيلي في كتابة(نجران في أطور التاريخ ص 40-4)ما نصه ((وتوضيحا لما لمحنا سوف نورد ما جاء في كتاب المحبر من أن العاقب والسيد والأسقف وغيرهم الذين وفدوا على النبي صلى الله عليه وسلم كانوا من بنى الأفعى سكان نجران الأولين من جرهم الأولى)). وجاء في تاريخ الطبري من أنه وصل خبر وفاة رسول الله إلى نجران وان من بها من بنى الأفعى أربعون ألفا. والتاريخ يحدثنا أن من سكان نجران بنى الحارث من مذحج وقوم من الأزد، وأن السيادة كانت لبنى عبد المدان من مذحج ومن المؤرخين من يقول وكانت هناك سيادة للأزد ثم اندمجوا في بنى الحارث. وليس بدعا أن تكون السيادة في قوم وهناك الأكثرية التي تساد، فبنو الحارث تستمد قوتها وتفرض سيادتها للتفوق الأدبي الذي يتسم به بنو عبد المدان أولا من عصبيتها المذحجية القبيلة القوية المعروفة والقريبة والتي تنحدر من ( همدان بن زيد ) أما الأكثرية فهم جرهم التي قد نضب معين عصبيتها وإن احتفظت بجوهر عنصرها العربي الجرهمي الخالص الذي لم يمتزج بغيره والذي حافظ على نقائه، فجرهم هم من العرب البائدة. وقال البيهقي نزل نجران بنو مذحج واستولوا عليها أي من أهلها ومنهم بنو الحارث، بالطبع استولوا على رئاسة نجران، وإلا فأين سكانها من جرهم الذين يذكر الطبري أنهم أربعون ألفا عندما وصلهم خبر وفاة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم. - وقال غيره لما خرجت اليمانية في سيل العرم مروا بنجران فحاربتهم مذحج ومنها افترقوا. وقال بن حزم أن الأزد نزلوا في جوار مذحج بالصلح، ثم غلبوا عليها مذحجا، وصارت لهم رياستها. ويظهر أن دور بنى الأفعى كان دور ا لمرؤوس. ويقول ابن خلدون، العبر : 2/ 255 أن جانبا من قبيلة الأزد بقى في نجران وشارك المذحجيين في حكم نجران. ويقول المسعودي : 3/ 290 أن أزد نجران تلاشوا في مذحج ويعلق المستشرق (كاي) على ذلك بقوله : ورواية المسعودى أكثر احتمالا من رواية ابن خلدون،
ثم يستطرد قائل : ويبدوا أن الرياسة ظلت في يد بنى الحارث المذحجيين إلى أن انتقلت في بنى الديان- منهم- وبنو الحارث المذحجيون، بنو زياد بن يزيد بن قطن بن زياد بن الحرث بن مالك بن الحارث وأول من برز منهم يزيد بن عبد المدان. وعلي كل فغالب الظن أن لم يكن الأقرب لليقين فقبائل نجران بسبب موقع نجران الجغرافي، والعزلة التي فرضتها حروبهم مع القبائل المجاورة، وعدم وجود ما يغري في بلادهم للمطامع، كل ذلك يرجح أنه لم يختلط بهم أي قبيل أو قبيلة منذ إسلامهم إلى الآن،. لق اسم نجران على كل المنطقة والمدينة الواقعة في الجنوب الغربي من المملكة العربية السعودية نسبة إلى الوادي ((نجران)) ثاني أكبر الأودية الستة التي تسيل على طول جبال السراة شرقاً والممتدة من شمال المملكة إلى جنوبها هذه الأودية هي ((تربة و رنية و بيشة وتثليث وحبونا وأخيراً نجران ))الذي يرجع أصل تسميته إلي ((نجران بن زيد سبأ*)) أول من سكن أرضه وذكر الحموي المتوفي ((622)) في معجمه أربعة مواضع بهذا الاسم هي