« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات » |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
08-08-2014, 03:36 PM | #21 |
مشرفة القسم الاسلامي وقسم حرية الفكر وتطوير الذات
آل مره
|
رد: *** ركني الهادي *** من حبر اقلامهم ***
ابن تيمية ليس ناقلاً فحسب القوية الآسرة الأخاذة ؛ فإن له قاموساً خاصاً ، فيه فرق بين أن يؤلف الإنسان كتاباً فينقل الأقوال ويجمعها في الباب ، وأن يأتي إلى الأقوال فينتقدها ويناقشها ، ويأخذ الصحيح منها ويترك الضعيف ،ويستفيد من العبارات ويقوم المعوج منها ، ويثني على الطيب ويعقب على الواهن والضعيف ، وهذا ما يفعله ابن تيمية ؛ فإنه لا يقبل القول على عواهنه ، بل يناقش الأقوال عبارة عبارة ، وفصلاً فصلاً ، ويشيد بالحسن الجميل ،ويرد الواهي الهزيل ، وتجدد يتجرأ حتى على الأكابر في كثير من المسائل ،ويبين الوهم فيكل مسالة ، ويجمع أطراف الموضوع ، ويأخذ المعلومة فيوظفها هو بعبارته ويكسوها بجلباب جملة من الجلالة والفخامة والإشراف ما أمتاز به هذا الرجل ، فكأنه شاعر موهوب عبقري يمتاز عن بقية الشعراء ، وكذلك كان ابن تيمية في المؤلفين ، له رونق خاص ، وديوان متفرد يعلم أنه من كلامه لجلاله حديثة وسمو عباراته . ابن تيمية ومسألة التوحيد من أعظم المسائل التي يجب البحث فيها والكلام عنها مسألة التوحيد الذي بعث الله به أنبياءه ورسله عليهم الصلاة والسلام ،وقد أحسن ابن تيمية كل الإحسان في هذه المسألة ، فاستولت على جل حديثة وكتاباته ورسائله وتأليفه ، واعتنى بها كل العناية ؛ لحاجة البشر غليها ، فالله – عز وجل – لم يرسل الرسل أصلاً ولم ينزل الكتب إلا لتقريرها ، فبسطها شيخ الإسلام بأنواعها كتوحيد الربوبية ، وتوحيد الألوهية ، وتوحيد الأسماء والصفات ، وتحدث عن أفعاله سبحانه وتعالى ، وتحدث عن مسألة الشرك بأقسامه وبينها برسائل ومؤلفات ، وبسطها فبعدة مواطن ، ونوع الأساليب فيها ؛ لأنه يعلم أنها أصيل الأصول وأنها أكبر المائل وأنها أعظم القضايا ، فهو بحق منظر أهل السنة والجماعة في ماله التوحيد ، وهو إمامهم من عصره فما بعده في قضية المعتقد ، وهو الذي أقام هذا الفن وشرحه ودافع عنه وناظل عن قضاياه وبين الحق في ذلك. ابن تيمية ومسألة التاريخ تقل الذهبي وغيره أن الشيخ مؤرخ ، وأنه يعتني بتاريخ الدول والرجال والسلاطين ، وما سلف كافة الأمم والشعوب ، ومن يقرأ بعناية لتأليف ابن تيمية يلحظ ذلك، حتى إنه يلحظ اهتمامه بتاريخ ما قبل الإسلام ، حتى القضايا التي لا يهتم بها أهل العلم ، في الغالب تجده متجرأ فيها ملماً بها فمثلاً سئل عن الإسكندر المقدوني فبين أن الإسكندر اثنان ، ثم شرح تاريخ كل واحد منهما ، وتجده يعنتي بالدول والأشخاص من الأمراء والوزراء الذين مروا والسلاطين ، حتى ولو كانوا من دول غامضة ليست معروفة عند الكل ؛ وسبب هذا حبه للاطلاع ، وشغفه بالمعرفة ، وولهة باكتشاف المخبوء من العلوم والفنون والتخصصات ، وقد نفعه ذلك في أن تكون له عقلية ثقافية متسعة ، وذهبية مطلعة متوثبة . جلده على البحث الذين تكلموا عن ابن تيمية وصفوه بأنه لا يكل ولا يمل من البحث كما أسلفت ، حتى في أوقات انشغاله ومرضه كان يجعل الكتاب على صدره ، وربما أكب عليه ، فهو دائماً في بطون الكتب ، يذهب وراء المسألة في كل كتاب ، فتكون شغله الشاغل حتى يلم بها ويحققها ويرسخ فيها ويجيد الحديث عنها ، فلا يكتفي بكتاب ، ولا بعالم عن عالم ، ولا بمذهب عن مذهب ، بل يستطرد وراء المسالة ،ويكتنز شوا ردها ، ويجمع فرائدها ، ويلم بها إلماً ، حتى يكفيك كلامه عنها فياي باب عن أي مؤلف ، أو أي عالم من العلماء . |
|
08-08-2014, 03:39 PM | #22 |
مشرفة القسم الاسلامي وقسم حرية الفكر وتطوير الذات
آل مره
|
رد: *** ركني الهادي *** من حبر اقلامهم ***
صبره على التحصيل لا يحصل العلم الذي جمعه ابن تيمية إلا بصبر على الطلب وجلد على التحصيل ، وكذلك كان هو فإنه ا ستفرغ عمره كله ليلاً ونهاراً ،صيفاً وشتاءً ، حلاً وترحالا في طلب العلم فكان يدور على المشايخ ،حتى دار على أكثر من مائة عالم ، وجل مع أرباب المقالات ، وزار أهل التخصصات ، كل ذلك وهو يلم ويحوى ما عندهم ويجمع ما لديهم، فتراه مكرراً لما يحفظ ، أو متأملاً ، أو كاتباً ، أو مناقشاً،أو مناظراً ، أو مجادلا أو مفيداً ، أو مدرساً ،أو مؤلفاً ،أو مدرسا أو مؤلفاً ، أو مراسلاً ،فكانت حياته علماً وعملاً ، ولا اعلم رجلاً من المتاجرين دفع عمره كله للعلم والتعليم كابن تيمية ، ربما وجدت علماء تفرغوا للعلم ولكن ليس كل التفرغ ؛ فعندهم ما يشغلهم من الزوجات والأبناء والمناصب والوظائف ، لكن ابن تيمية ، ربما وجدت علماء تفرغوا للعلم ولكن ليس كل التفرغ ؛ فعندهم ما يشغلهم من الزوجات والأبناء والمناصب والوظائف ، لكن ابن تيمية ليس له أسرة يقوم عليها ، ولا أبناء يشتغل بتربيتهم ، ولا تجارة يهتم بها، ولا وظيفة يقوم عليها ،ولا منصب يزاوله ، إنما شأنه وقضيته الكبرى هذا العلم ن وتعلمه ،وتعليمه ، والعمل به . دابة في نشر العلم مما زاد محبتنا لهذا الإمام أنه نشر علمه نشراً لم يسمع بمثله ، نشره بعمله فكان كل من يقرأ سيرته ويعايشه ويعرفه تمام المعرفة يتأثر بسيرته وأخلاقه وأوصافه ، - وهذا نوع من أنواع نشر العلم - ، وكان يتكلم في مجالسة كلها عن العلم ، النافع المفيد ، فلم يشتغل بقضية غير العلم ، وليس له حديث ي أمور الناس ، ولا في اسعارهم أو أخبارهم ، ولا في أخبار سفرهم وإقامتهم ، ولا في صنوف معايشهم ، إنما همه وشغله وقضيته نشر العلم النافع المفيد. فقد نشره بواسطة تدريسه ن فكان يعقد الحلقات في المساجد ليلاً ونهاراً لا يشغله عن ذلك شاغل ، وكان ربما عقد الندوات للمناظرة النافعة المفيد ، وكان ينشره بواسطة الرسائل التي عمت وانتشرت وبهرت الموافق والمخالف ، وكان ينشره عبر الكتب النافعة المفيدة التي تصل إلى عشرة مجلدات أو أكثر ، وكان ينشره عب الذهاب إلى الناس في أماكنهم والي الملوك السلاطين وغلى الأمراء ، وكان لا يجلس مجلساً إلا أنشأ قضية ، أو تحدث عن مسالة ، أو تكلم في باب من أبواب العلم ؛ فكان إما مذاكراً أو مستفيداً أو شارحاً أو مؤلفاً أو مراسلاً أو خطيباً أو مفتياً ،حتى في سجنه ؛ كان بعد أن تنتهي من عبادته وأوراده يشتغل بمراسلة الناس بالفتاوى والكتابة في العلم . صموده رغم المعوقات فابن تيمية لم يثنه ما حصل له من الأذى والكيد والمكر والمجابهة والمواجهة ، بل زاده ذلك قوة وإصرار ومضاء واستمرار ، فإنه واجه من الحسد ما الله به عليم حتى من أقرب المقربين إليه ؛ فحسده أرباب المذاهب الإسلامية ،وأهل المشارب الفقهية ، وحسده علماء الكلام ،وحسده أهل الطوائف من غير أهل السنة ،وآذاه كثير من الولاة والسلاطين ، فافتروا عليه ونسبوا إليه ما لم يقل ، ألفوا فيه الكتب والرسائل ، وأهدروا دمه ، وافتوا بقتله وضللوه ،ودعوا السلطان إلى سجنه . وبالفعل سجن خمس مرات ،وكادوا ، ومنعوا كتبه ومنعوه من التدريس ، ومنعوه من الحديث ومواجهة الناس ، وتناولوا عرضه ، وشتموه وسبوه ، وجلد مرة من المرات ، وأخرج من دمشق إلى مصر ، كل ذلك والرجل منشرح الصدر ، وصابر مصابر محتسب على ما أصابه في سبيل الله مصر على تبليغ فكرته ، مستمر عل الدعوة إلى الله عز وجل ، لا يزيده الكيد إلا قوة وثباتاً وصبراً واحتساباً ، فصار مضرب المثل في ذلك كله ، وتعجب أصدقاؤه وخصومه من شجاعته ومن إصراره – رحمه الله - ، فما ثناه حبس ولا قيد ولا جلد ردود ولا تهديد ولا وعيد عندما قام له من تجديد أمر الأمة ، بل كلما آذوه نشراً لعلمه ، وصبراً على خصومه ، وحباً لأصحابه ن وثقة في وموعود ربه، وتفويض الأمر إلى خالقه ، ورضا بكفايته ووكالته – سبحانه وتعالى - ، وتفاؤلاً بالعافية الحسنة ، وبذلك صارت له – بفضل الله – العاقبة الحسنة ، فانتشرت كتبه وتأليفه ، وانتصر على حاسديه ، وكبت خصومه وصارت الدولة له والدائرة على أعدائه . ابن تيمية ونفسه الجادة من يقرأ سيرة هذا الإمام بالتفصيل يرى الجد والمثابرة في سيرته العملية والعلمية ، فهو لا يعرف الهزل ولا الدعابة القائلة ، ولا صرف العمر في حواشي المسائل أو اللهو واللغو والعبث ، أو فضول العلوم والأعمال ، بل كان يختار أنفع المسائل وأفيد الأعمال وأفضل القربات ، فهو الجد كله وكأنه منذر جيش ، وكأنه مدعو للقاء الله في كل غد . فهو يحرص على العمل النافع المثمر المفيد من الأقوال والأعمال والمؤلفات والرسائل ، فلا يختار إلا أحسن الأبواب ، فتجده يؤلف في الأسماء والصفات ؛ لأنه يعلم أنها من أجل العلوم بل من أفضل الأبواب ،ويستفرغ جهده في باب المعتقد وفي مسالة التوحيد فيبسط القول في ذلك أكثر من بسطه في فروع المسائل ، حتى إنه ألف في الأصول أكثر مما ألف في الفروع ، وسئل عن ذلك فقال : من عبد الله في الفروع على مذهب أبي حنيفه أو مالك أو الشافعي أو أحمد فقد أصاب في الجملة ، لكن الخطورة أن يخطئ الإنسان في المعتقد أو الأصول ؛ ولذلك كفى الأمة في هذا الباب أثابه الله . |
|
08-08-2014, 03:44 PM | #23 |
مشرفة القسم الاسلامي وقسم حرية الفكر وتطوير الذات
آل مره
|
رد: *** ركني الهادي *** من حبر اقلامهم ***
ابن تيمية وأسلمة العلوم هذه عبارة عصرية حادثة ، ولكنك إذا نقلتها إلى عصر ابن تيمية تجده يؤسلم المعرفة ، يأتي بالعلوم الداخلة والنون الوافدة عل المسلمين فيضعها في ميزان الكتاب والسنة فيقبل الصحيح منها ويترك المخالف ويطرح المرذول ، وهذا ما يطلق عليه أسلمة المعرفة ، فكلما سمع بفن قرأه وأبحر فيه ثم عرضه على منهج الوحي ، وحاكمة في محكمة الرسالة الخالدة ، وعلى ميراث محمد صلى الله عليه وسلم ، فإن وافق رضية وقبله وقال هذا تحصيل حاصل فهو لدينا ، وإن خالف رده مهما كان قائلة كانت قوة هذا القول . ابن تيمية ومشروعه الإصلاحي ابن تيمية ليس كغيره من العلماء الذين همهم – فقط – التحصيل والنفع في محيطهم وبني عصرهم ، بل له مشروع إصلاحي يهمه ويؤرقه؛ وهو إعادة الناس إلى الكتاب والسنة وهو ما يسمى ( بالتجديد ) ، إذ تلحظ عليه التقعيد لهذا الباب ، والنظرة العامة الشاملة للأمة ، والهم ، لإعادتها إلى كناب الله –عز وجل – وسنة صلى الله عليه وسلم ، وتصحيح مسارها ، وتوضيح الطريق الذي صار ملتبساً على كثير من الناس ، فليس همه فقط أن يتخصص في الفقه ليكون مفتياً أو قاضياً أو خطيباً أو معلماً ، لكن همه أن يجدد للأمة ما درس من دينها ، وأن يعيدها إلى الجادة الأولى التي كان عليها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعون بإحسان ، وهذا المشروع الذي ترك أثره ونفعه في الأجيال . وإني أقول كلمة حق : لو أن علوم هذا الإمام انتشرت في الجامعات الإسلامية والمدارس وقامت بها الجماعات الإسلامية والحركات الإصلاحية ، لكان فيها من النفع العظيم والإصلاح والتجديد ما كفانا وشفى غليلنا وأروى عليلنا في هذا الباب ، لما وجد – بإذن الله – هذا التخبط والالتباس في بعض المدارس الفكرية وبعض الدعوات الإصلاحية ، من غبش في مسألة المعتقد ، ومن انحراف ، ومن بدع عند البعض ؛ لأن هذا الرجل – مع ما أوتي من نظرة شاملة ومن تجديد وإصلاح – فيه من الصفات والصواب والتسديد ما الله به عليم . ابن تيمية ونظرته الربانية علم هذا الإمام علم مبارك ، يقول المعاصرين : ومن كرامات الأولياء ما وهبه الله عز وجل ابن تيمية من علم ، فتجد غيره أعطي علماً على حسب ما حصل وما حفظ ، وعلى حسب ما وجد من الكتب والمشايخ ، إلا هذا الإمام وأمثاله فإن علمه علم مبارك غزير ، لا يمكن أن يكون بجهد بشري فقط ، لكن بموهبة إلهية ربانية ، وكذلك كان نشره للعلم ، فقد كان نشراً ربانياً لا يريد من ورائه سمعة ولا ، بل نشره خالصاً لوجه الله – سبحانه وتعالى – مبتغياً ما عنده من ثواب جزي في الدار الآخرة . فبارك الله بأنفاسه وبكتبه وبرسائله وبدروسه ؛ إذ كان لها من الأثر والنفع ما تلقته الأجيال بعد الأجيال ، وتشاغل به الناس ، واهتم الكثير ، واستفاد منه العامة والخاصة ، وما زالت في ازدياد وانتشار ، وفي بركة وزيادة ، وهذا من الفضل الذي وهبه الله هذا الإمام ، فإنك تجد في كلامه من النور ، ومن النفع والبركة ما لا تجد في كلام غيره ، فإنه يغذيك بصفحات مما يكتب ، ويزيد من معرفتك ،ويزيد من إيمانك ؛ لصحة نيته ولصدقه مع الله عز وجل ، وإخلاصه فيما يقول وفينا يكتب ، وهذا هو العلم المبارك النافع المفيد . ابن تيمية والرسوخ العلمي ابن تيمية لا يجتزئ المسالة اجتزاء ولا يأخذ بطرفها ، وليس بالذي يريد الإشارة غليها مجرد إشارة لكنه العالم الذي يقتل المسالة بحثاً ، فيستولي على أطرافها ، ويفصلها تفصيلاً ، ويشرحها شرحاً كافياً ، بعد الإيمان بها دراسة وبحثاً وتحصيلاً ، وهذا الرسوخ في العلم ، وإذا لم يكن ابن تيمية راسخاً في العلم فمن هو الراسخ إذا ؟ والرسوخ هو العمق والاستيلاء على المسائل ، والفهم كل الفهم فيها ، والتفقه كل التفقه في دلالتها ، وكذلك كان ابن تيمية ، فإنه يتكلم عن المسالة لواحدة كلام بصير بها عاف بوجوه الاعتراض عليها ، مبيناً أطرافها ، كلمة كلمة ، وفصلا فصلا ، وبابا بابا . |
|
08-08-2014, 03:47 PM | #24 |
مشرفة القسم الاسلامي وقسم حرية الفكر وتطوير الذات
آل مره
|
رد: *** ركني الهادي *** من حبر اقلامهم ***
ابن تيمية وفقه النصوص ميزة هذا الإمام أنه صاحب نص ؛ مهتم بقول الله عز وجل وقول رسول صلى الله عليه وسلم ، وليس مجرد حافظ وناقل للنص ، بل يورد الآية والحديث ن ثم يشرحهما مستفيداً من كلام الأئمة الذين سبقوه ، ثم يأتي هو – بفهمه المتدبر المتعقل لكلام الله عز وجل وكلام رسول صلى الله عليه وسلم - بكنوز وبدور وبجواهر ما سمع بمثلها ، فميزته الكبرى الفقه كل الفقه ، والفهم كل الفهم ، حتى إنه يرد على الأكابر من المفسرين ممن تظن أن الواحد منهم فرد في بابه ، ومع ذلك يلاحظ وينتقد ويعترض ويقول إن القول الصحيح في تفسير هذه الآية وفي شرح هذا الحديث وفي هذا المعنى هو كذا وكذا ، كلام رجل مدرك لمقاصد الشريعة ملم بها ، عارف بمدلولات النصوص ، متبحر في اللغة متعمق في النحو ، صاحب عقلية مستنيرة ربانية مباركة . ابن تيمية والمعاصرة لما حوى ابن تيمية الفنون وجمعها نفعه ذلك في أن يكون له أسلوب عصري متميز ، غير متخل عن مبادئه وأصوله الأولى السلفية السنية ، ولكنه يكسو كلامه بجلباب المعاصرة وبعبارات من عاصروه من العلماء ، بل بالعبارات الجميلة التي تأخذ التي تأخذ بالألباب ، فهو يرى أنه لا مشاحة في الاصطلاح ، وأنه لا غضاضة في أن يوظف الإنسان ثقافية ، وأن يستفيد من مصطلحات معاصريه إذا كانت جميلة وكانت قوالبها أخاذة مؤثرة لتحمل الحق الذي أخذه من الكتاب والسنة ؛ ولذلك كان يتكلم للفلاسفة بمصطلحاتهم وللمتكلمين بجملهم ، ، وللصوفية بإشاراتهم ، وللمعاصرين من الفقهاء بكلامهم ، وهذا الذي يسر له الانتشار ، والعموم ، والاهتمام . معرفته الخصوم من يقرأ لهذا الإمام وردوده على خصومه يعلم أنه ليس صاحب هوى ،وليس مقصوده الانتقام الشخصي ، بل نصره الملة ، فإذا أت إلى الخصم تكلم كلام معرفة بقول هذا الخصم ومن هو الخصم ، حتى يدخل في حياته الشخصية ، فتجده أحياناً يرد عل الفكرة الخاطئة ، ثم يأتي بصاحبها فيتناوله بالنقد ، ويتكلم عن حياته مفصلاً ؛ كما قال عن ابن سبعين وعن ابن عفيف التلمساني ، فإنه يقول : إن هذا ليس عفيفاً بل هو فاجر ، وهو صاحب خمر وصاحب معاص ومخالفات ، ثم يذهب وراء حياته الشخصية فينتقده ، فالرجل لا يتكلم عن خصومه بجهل ، لكنه يتكلم بعلم ومعرفة عن حياتهم وأقوالهم تستغرب أن يلم بها ، فلما تكلم – مثلاً – عن ابن الخطيب الرازي بين أن له فصائد يشكر عليها ، وأن له ردوداً على الملاحدة يحمد عليها ، رغم ما عنده من بدعة ومخالفة للسنة . هروبه من المناصب أتت الدنيا ابن تيمية راغمة ، لكنه ردها بنفس راغبة عنها وعن مناصبها وزينتها وزخرفها وأموالها ، أ‘رض عنها قاصداً عامداً متعمداً ، وترك المشيخة ورئاسة القضاء والولايات وما أعطي من أموال ، تركها كلها لوجه الله ، وأعرض عنها وردها واكتفى بمسجده وبيته الصغير ، بنشر العلم ويجاهد ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، فانزل الله منزلة وفوق منازل قاضي القضاة ، وفوق منزلة الملوك والسلاطين والأمراء والوزراء والتجار ، فبقي أثره في الأمة وانتشر علمه ، أما كتب قاضي القضاة – مثلاً – وكتب أهل الولايات ، فإنها لا توجد في الغالب ،وليس لها ذلك الأثر ،ولم يسمع بها ، ولم تنتشر ،ولم يتناقلها الناس ،ولم تدرس في المدارس ن بل فقد الكثير منها ، وما وجد منها فأنما هو محصور في زوايا ضيقة ، لم يكتب له ذلك الانتشار ،ولم يستفد منه تلك الفائدة ، ويكفي ابن تيمية أن تراثه أكثر انتشاراً وشهرة ونفعاً للأمة ، وأنه أكثر اثراً من كثير من الدول ، بل لو قلت جازماً غير مغال إنه أنفع للمتأخرين من الدولة العباسية التي عاشت ستمائة سنة وحكمها سبع وثلاثون خليفة ، لما كنت مبالغاً في ذلك؛ نفعه في كتبه ورسائله انتشر في الجامعات والمدارس وعلى المنابر وفي حلقات العلم ، وفي وسائل الإعلام ، وفي المنتديات والمؤتمرات ، ما لم ينتشر أثر هذه الدولة التي عاشت هذا العمر الطويل . |
|
08-08-2014, 03:50 PM | #25 |
مشرفة القسم الاسلامي وقسم حرية الفكر وتطوير الذات
آل مره
|
رد: *** ركني الهادي *** من حبر اقلامهم ***
ابن تيمية يصنع التاريخ ابن تيمية – في حقيقة الأمر –صار حديث الركب ،وصار قضية الناس ، وصار الشغل الشاغل للعالم في عصره وبعد عصره ، حتى يحق فيه قول القائل : إنه مالىء الدنيا وشاغل الناس ... يقول فيه المستشرق جولد زيهر : وضع ابن تيمية ألغاما في الأرض فجر بعضها محمد بن عبد الوهاب ،وبقي بعضها لم يفجر حتى الآن وإنك لتجد ابن كثير في ( البداية والنهاية ) – مثلاً – وهو يتحدث في عصر ابن تيمية يجعله الشغل الشاغل ، فأحياناً ينسى من تاريخ الدولة ويذكر ابن تيمية وحده فيقول : دخلت سنة كذا وكان ابن تيمية في جبل كسروان يجاهد النصيرية ، ودخلت سنة كذا وكذا وكان ابن تيمية في الحبس ،ودخلت سنة كذا وكذا وقد ذهب ابن تيمية من الشام إلى مصر ن فصار هذا الإمام هو القضية ، فهذه هي المكالمة والمنزلة ، وهذا هو المجد والعظمة ، وهذا هو الشرف والملك الباقي ، حيث صار هذا الإمام بحق هو شغل الناس الشاغل ، متشاغلين بردوده وكتبه ؛ إن سجن انشغلوا به ، وإن أفرج عنه صار حديثهم ، إن ذهب وغاب صار قضيتهم ، وإن حضر صارا حدوثتهم ، فهو العلم والإمام الذي نشر له هذا القبول بسبب صدفة مع ربه سبحانه وتعالى . ابن تيمية داعية من أعظم صفات العالم أن يدعو غيره إلى ما يحمله من علم ، ,أن ينشر ما حصله ، وأن يبلغ عن الله عز وجل وعن رسول صلى الله عليه وسلم ما استودعه من ميراث ، وكذلك كان ابن تيمية ؛ فإن مما يميزه بين العلماء أنه تحرك بعلمه ، ودعا إلى الله بعمله ومقاله وقلمه وكتبه ورسائله ن فلم يقتصر علمه على الفيتا فحسب ،ولم ينتظر في بيته ليأتيه الناس ، بل ذهب إلى غيره وزار الأماكن العامة ، وتكلم مع الخاصة ،ودخل عل السلطان ، وحاور الفرق المخالفة ، وناظر المبتدعة وراسل الأقاليم ، فكان بحق رجلاً مباركاً أينما كان، وهذا أحسن ما يكون ف العالم إذا عمل بعلمه أن يدعو إلى هذا العلم المبارك ، كما قال سبحانه : ( ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين ) ، وكذلك كان هذا الإمام المقدم في بابه وفي صفاته كان مضرب المثل في نشاطه الدعوى ، وف حركته الإصلاحية وف تجديد العالمي . تأصيله للمسائل ابن تيمية لا يلقى الكلام على عواهنه ، ولا يأتي بكلام متفرق لا رابط لهن وليس بحاطب ليل ، بل هو الراسخ في علمه – كما أسلفنا - ، فكان إذا أتى بمسالة أصلها ، وذكر منشأها أسسها ، وردها إلى قواعدها ، فهو مهتم بالتأصيل وبالقواعد الكلية وبجوامع المسائل اهتمام رجل سبر غور الشريعة ، وعرف مقاصدها ، وأدرك أسرارها ، وكشف غوامضها ، وغاص على دررها ، فكان إذا ظن أن السائل لا يفهم المسالة رجع إلى اصل المسالة ن ثم فرع على هذا الأصل ورد السائل إلى هذا الأصل، وضرب أمثله بجزئيات كثيرة على هذه الكلية ن وذكر أمثلة لفروع هذا الأصل حتى يشفى ويكفي ويكون السائل على بصبرة . تكريره وبسطه لابن تيمية طرق في الإحاطة ، وطرق في التأليف ، وطرق في الفتوى وفي عرض المسائل ؛ فمرة يكرر الجواب إذا علم أنه لم يعلم من مرة واحدة أو مرتين ، وهو يقول : إنه لابد للحق من أساليب متنوعة ومن أطروحات شتى حتى يفهم ويعرف ، وكلما كرر أبدع وأحسن واشرف ، وأحياناً يكتفي بجواب واحد ، لكنه يبسطه ويكثر الإيراد عليه ، ويأتيه من عدة جوانب ، ويطرقه من عدة أبواب ، ويفتح له السبل ، حتى تنكشف للقارئ المسالة بطول ما يبسطه الشيخ وما يذكره من أدلة ،وأمثلة ،ومن شواهد ن وقصص ، ومن شرح، حتى لا يدع مجالاً للغموض أو التساؤل . |
|
08-08-2014, 03:55 PM | #26 |
مشرفة القسم الاسلامي وقسم حرية الفكر وتطوير الذات
آل مره
|
رد: *** ركني الهادي *** من حبر اقلامهم ***
جرأته الشجاعة القلبية موهبة من الله عز وجل ، وثبات النفس عطية بمنحها الله من يشاء من عباده ، ومن مزايا هذا الإمام انه ثابت الجنان ، قوي القلب ، لا يهاب المواقف ، ولا يخاف الموت ولا ينكص على عقبيه طعماً في الحياة وعشقاً في البقاء ، بل يقدم إقدام من باع نفسه من الله عز وجل ، فلا يخاف من بشر ، ولا يرهب إنساناً ، إنما خوفه وخشيته من ربه سبحانه وتعالى ، فهو المتوكل – حقيقة – على الله ، المفوض أمره غليه ، قال أصحابه وطلابه ما رأينا اشجع قلباً ، ولا أقوى عزيمة ، ولا أمضى شكيمة ، ولا أثبت جناناً من ابن تيمية ، كان يهدد بالسيف فيمضي صابراً محتسباً ولا يخاف ، وسجن عدة مرات فما رهب وما عاد عن رأيه ، ودخل على الملوك فكاد يزلزل عروشهم بكلامه القوي الصادق العميق ، وكان يشرح فكرته في كل مكان ، وكان إذا دخل بلاط السلطان كأنه يخطب خطبة الجمعة ، فيكون لصوته صولة ، وله جولة وهيبة ، وعليه مهابة فلله دره ما أقواه لولا المشقة ساد الناس كلهم *** الجود يفقر والإقدام قتال تعظيمه لربه لا خير في علم العالم ولا دعوة الداعية إذا لم يعظم بذلك ربه ومولاه ويوقره ، ويكون أحب إليه مما سواه ، ويخافه أكثر من غيره ، ويرجوه ويرهبه ، وكذلك كان ابن تيمية فتعظيمه لربه – سبحانه وتعالى – ظاهر من كتاباته وفي رسائله وتأليفه ، وحتى قال بعض الفضلاء من المعاصرين : كنت إذا ضعفت في إيماني عدت إلى المجلد الأول في ( الفتاوى ) ، وقرأت تعظيم ابن تيمية لربه، ومدحه لمولاه ، وكلامه عن قدرة خالقه سبحانه وتعالى وعن أسمائه وصفاته ، بأسلوب عجيب يأخذ بمجامع القلب ، ويستولي على منافذ النفس ، وهذا ملاحظ ، فتجده إذا ذكر اسم الجلالة عظم ومدح وأثنى ، وهو يذكر آلاء الله عز وجل ، ويحبب ربه إلى خلقه ، ويقدس مولاه وينزهه ، ويتكلم عن أسمائه وصفاته بكلام لم أره لمن قبله من أهل العلم ؛ فإنه يعظم الله بما عظم الله به نفسه في كتابه ، وما عظمه به رسول صلى الله عليه وسلم في السنة ، وبكلام السلف ، ويورد إيرادات عجيبة ، يكاد ينخلع لها القلب ، وتدمع لها العين، ويقشعر لها الجلد ، فلا تقرأ له مقالاً في تعظيم الله عز وجل إلا وتزداد إيماناً ويقيناً ومحبة وتعظيماً لربك سبحانه وتعالى ، وهذا من بركة العلم ومن فتح الله عليه . توفيره لرسول الله صلى الله عليه وسلم توفير الرسول صلى الله عليه وسلم أمر واجب ، ومحبة الرسول صلى الله عليه وسلم فريضة ، والانقياد إلى أمره والانتهاء عن نهية حتم ، وابن تيمية تلميذ بار في مدرسة الرسول الله صلى الله عليه وسلم ن وطالب نجيب في جامعة الرسول صلى الله عليه وسلم المباركة ، فقد كان يوقر رسول الهدى صلى الله عليه وسلم ويحترمه وينصر أقواله ، ويقدم قوله على قول كل قائل من الناس ن ويقول ليس في العالم أحد يدور معه الحق حيثما دار إلا محمد صلى الله عليه وسلم ، ودافع عن رسول صلى الله عليه وسلم ، وأوذي بسبب هذا الدفاع ، وألف كتابه الشهير ( الصارم المسلول على شاتم الرسول ) صلى الله عليه وسلم . أنك تجد في غضون كلماته من إنزال الرسول صلى الله عليه وسلم المنزلة اللائقة التي أنزله بها ربه ما الله به عليم متحاكم غليه ،وليس كإيراد أهل الرأي أ, الفلاسفة أو علماء المنطق ، الذين أعرضوا عن السنة وقدموا العقل على النقل ، بل كان يتحاكم إلى كلام الرسول عليه الصلاة واللام ويرد الناس غليه ، ويرى أنه الحجة الناطقة إذا صح، وأنه لا يسع أحداً في العالم أن يخرج على أمر الرسول صلى الله عليه وسلم . عدله وإنصافه بنى الله السموات والأرض وخلقهما عل العدل ، والظلم جريمة بشعة سواء كان في الأقوال أو الأعمال ن ومما يلحظه المطلع على ميراث هذا الإمام العدل في ردوده ، والعدل في أجوبته ، وطلب الحقيقة ، فيس بالمتشفي ، ولا بالجائزة ، ولا بالظالم ، ولا بالذي يهضم الناس حقوقهم ويبخس الناس اشياءهم ،ولا بالذي يتجنى عليهم ، ولا بالذي ينسب إليهم ما ليس فيهم ، وليس بالذي يفرج بغلطات أهل الخير من علماء الإسلام ن بل تجده يرد رد منصف طالب للحق ن وكان يردد كثيراً التحذير من الجور ومن الحيف ن ويبسط كلامه في مسألة : ( وحملها في الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً ) ؛ فيبين كيف وقع الظلم والجهل في الأقوال والأعمال ويربأ بطالب العلم وبالعالم أن يجوز في الحكم على الأشياء ن وأن يحيف ويظلم غيره ، ويحذر من ذلك أتم التحذير . |
|
08-08-2014, 04:00 PM | #27 |
مشرفة القسم الاسلامي وقسم حرية الفكر وتطوير الذات
آل مره
|
رد: *** ركني الهادي *** من حبر اقلامهم ***
ابن تيمية والوسطية يقول سبحانه وتعالى : 0 وكذلك جعلناكم أمة وسطاً ) ، والتوسط في الأمور يدل على العلم التام ، والخشية المتناهية ، والعقل الراجح ، وكذلك كان شيخ الإسلام ؛ فهو يحمد ربه – سبحانه وتعالى – أن هل السنة وسط في المسائل ، كما أن أهل الإسلام وسط في الدين واملة ، فهم وسط بين اليهود والنصارى ، وكذلك أهل السنة وسط في باب الأسماء والصفات بين المجسمة الممثلة والجهمية المعطلة ن ووسط في القضاء بين القدرية والجبرية ، ووسط في الوعد والوعيد ين المرجئة والخوارج ، ووسط في حب أهل البيت بين النواصب والروافض ، ويستمر ابن تيمية – رحمه الله – في تعداد هذا الوسط ،ويدعو غليه وينهجه ويحببه ويعتنقه ،وأن من نعم الله – عز وجل – على طالب العلم وطالب الحق وحامله أن يكون وسطاً في كل أموره ، حتى في أخلاقه وسلوكه ن فإن الدين جاء بالوسط لا إفراط ولا تفريط ، ولا غلو ولا جفاء ،القصد القصد تبلغوا ما في الحديث ، والتوسط في الأمور هو المحجة الصحيحة التي ينبغي أن يسلكها طالب العلم في أقواله وأعماله . ابن تيمية وروح التجديد ابن تيمية نسخة لم تكرر إلى الآن في حد علمي ، فليس كغيره من الآف العلماء الذين نشؤوا في الأقاليم والمدن ، فكرروا أنفسهم ، وكرروا غيرهم ، فتجد القاضي سبقة الآف القضاة وأتي بعده الآف القضاة ن وهو نسخة طبق الأصل للهؤلاء في علمهم وفي فهومهم وفتاويهم وأحكامهم ، وليس كغيره من المفتين الكثر – مع أن الله نفع بهم – لكنهم يحفظون متوناً ، ويكررون الكلام السابق لائمتهم ، ويتعصبون لمذاهبهم ، ويقلدون شيوخهم ، ولا يخرجون قيد أنملة عن ما تلقوه من أرباب المذاهب ن أما ، إما ابن تيمية فإنه لم يأت ليحفظ متناً ويدرسه ويعلمه الناس ، بل أتي مجدداً لشريعة ربانية اندرست معالمها قبل القرن الذي كان فيه ن فأتي – بفضل الله – في وقته المناسب وفي زمانه وفي مكانه ، آتى يدعو إلى العودة إلى الكتاب والسنة عودة صادقة ن وينبه الناس أنهم وهنوا في بالتمسك بالنص ن ويبين أن البدع غنما دخلت على الأمة ببعدها عن الوحي فصاح في الأمة صيحة قوية عالية سمعها من شاء الله أن يسمعها ،صيحة تدعو الناس إلى العودة إلى المعين العذب الزلال الذي لا ينضب ؛ وهو الحي المبارك كتابا وسنة ، فدعا إلى التجديد في باب المعتقد ، وفي باب العبادات والمعاملات ، وفي الأصول والفروع ، وفي الأخلاق والسلوك ، وألف في ذلك كتباً فكان ، حقاً – هو المجدد في عصره وفي العصور التي تليه، وما رأيت حركة إصلاحية بعد عصر الصحابة والتابعين والأئمة المشهورين مثل حركة ابن تيمية ، ومن أجل روح التجديد قام المقامات الشريفة والمواقف الجليلة ، وأوذي بسبب هذا التجديد ، وبسبب الدعوة الإصلاحية ، ونسب إليه أنه يخالف الأئمة ويختلف عن السلف، وهذه تهمة كاذبة لا أصل لها ، بل هو الذي نصر مذهب الأئمة الكبار ، وهو أذى أعاد الناس إلى منهج السلف ، وهو الذي أوضح السنة وجدد أمر الدين ، فجزاه الله عن الإسلام خير الجزاء . ابن تيمية والشمول كثير من أهل العلم من يبرع في مسائل أوفي باب أو في تخصص أوفي علم من العلوم ،أما هذا الإمام فإنه، - في رايي – برع في العلوم كلها ، فهو متمكن في باب المعتقد ،وفي الفقه ، وفي الحديث ، وفي التفسير ،وفي أصول الفقه ، وفي اللغة وفي النحو ، حتى إن من اللطائف أن أهل الفنون يستشهدون بكلامه ؛ كابن هشام صاحب ( شذور الذهب ) الذي استشهد بكلام ابن تيمية في النحو ، وكان يعاد غليه في اللغة ، وكان يسأل عن الرجال في علم الحديث ، وكان يناظر كبار الأئمة في أصول الفقه ، ويعلو عليهم ويغلبهم ، ورد على الفلاسفة وكتب كتاباً في المنطق ، وقالب وهم أصحابه في كثير من المسائل وتكلم في علم الهيئة، وفي علم الفلك ، ومن يقرأ كتبه يصاب بدهشة من عمقه ، وعلو كعبة وسعة دائرته في العلوم ، واتساع ذهنه في المعارف ، حتى صار قصة في هذا الباب ، وأعجوبة في هذه القضية . ابن تيمية والأولويات الحكمة موهبة يهبه الله من يشاء ، وهي السداد في القول والفعل ، ووضع الأمور مواضعها وإيتان الأمور من أبوابها ، وكذلك كان الشيخ ؛ فمثلاً في باب العلم كان يقدم الأول الأول ، فتجده مهتماً بمسألة التوحيد الكبرى التي هي أعظم مسالة في العالم ، وأجل قضية في الكون، فكان – رحمه الله – يبسط القول في مسائل المعتقد ، ويوضح ذلك أتم التوضيح، ويجاهد من أجله ويناظر عليه ، وكان يلتمس العذر في مسائل الأصول ولا يلاين ولا يتنازل عن شيء ن بل يوضح التوحيد بأبوابه ومسائلة أوضح بيان ، ويدعو إليه ، ويغضب إذا خولف في ذلك وينتصر له أتم الانتصار ، ويلوم ما وقع فيه الكثير من التهاون في باب توحيد الباري سبحانه وتعالى ، وما حصل نتيجة ذلك من انحراف وابتداع ، فكانت جل كتبه في الأصول، وغالب بحوثه في المعتقد ، حتى نظر للمعتقد – سواء في الربوبية أو الألوهية أو الأسماء والصفات – تنظير ، وقعد له تقعيد ، واصل له تأصيلاً استفاد منه الملايين بعده – رحمه الله- وصارت كتبه هي للرجع في المكتبة الإسلامية لمن أراد أن يتعمق ويكشف أسرار الإيمان والمتعقد . |
|
09-04-2014, 12:55 AM | #28 |
مشرفة القسم الاسلامي وقسم حرية الفكر وتطوير الذات
آل مره
|
رد: *** ركني الهادي *** من حبر اقلامهم ***
ابن تيمية والعبقرية إذا لم يكن هذا الذكاء بعينه *** فإني بالقاب الذكاء كفور وإن لم تكن ألقابكم عبقرية *** إذا فشهود العبقرية زور ! إن لم يكن ابن تيمية عبقرياً فلا أدري من العبقري ؟ ! وإذا لم يستول على منصب الألمعية فليس لأحد أن يترقى هذا المنصب ! وإذا لم يكن هو الذكي اللماح إذا لم نسمع بعد الصحابة بذكي لماح ! إن من أجل ما استوقف المؤرخين والكتبة وأهل السير والباحثين في سيرة هذا الإمام عبقرية الفذة فقد أفاض الله عليه من أسباب الذكاء وموهبة الفهم ما صار حديث الناس وقصة السمر لهم ، سواء الموافق منهم أو المخالف ، ورأيت كثيراً من أعدائه وحسادة يذعنون ويعترفون بنبوغه ، وبقوة ذاكراته وبحافظته الفياضه ، لكنهم يخالفونه في المسائل حسداً من عند أنفسهم ، وبغياً من لدنهم ، والشاهد أنه لا يختلف الصديق ولا العدو على أن ابن تيمية كان عبقريا بمعنى الكلمة ، حتى إن بعض الغربيين كتب عن سيرته ،وأفرد بعض المستشرقين بحوثاً عنه ، وتناولته دور المعارف والمجامع العلمية بالدراسة والتحليل ، وألف في سيرته مئات التأليف ؛ فمنهم من يأتي بابن تيمية في باب الدليل ،ومنهم من يأتي به في باب المحادة والمجادلة ، ومنهم من يذكر سيرته على وجه العموم ، ومنهم من يتناول مسالة المعتقد أو أصول الفقه عنده ، ومنهم من يأخذ مسالة فحسب ، ويبحث عن حياة هذا الإمام وعن جهوده في هذه المسالة ، ومنهم من يتناوله مؤلفاً أو فقيهاً أو مناظرا أو مجاهداً أو محدثاً أو مفسراً ،كل ذلك من الأدلة القاطعة على عبقرية هذا الرجل ، ولا أعلم عالماً بعد ابن تيمية – إلى الآن – أتى في قدره ، وفي علو منزلته ، وفي ارتفاع مكانته ،وفي سعة علومه ورسوخه العلمي وعمقه المعرفي ، لا أعلم عالماً مثل ابن تيمية منذ أن نشأ هذا الإمام إلى الآن ، وقد وتصفحت كثيراً من التراجم ،وعدت إلى كثير من السير لأحد من يشابهه أو يمكن أن يقارن به من قرنه الذي عاشه حتى الآن فلم أجد ذلك، ووجدت من شهد هذه الشهادة من العلماء وقالوا : لن يتكرر هذا الإمام ! لكن الله عز وجل قدير ، وفضله ًواسع ، إلا أن هذه الحقيقة تفرض نفسها ! وهي أنه فرد في بابه منذ أن نشأ إلى الآن، أي فيما يقارب سبعة قرون، وإذا كان للمعتزلة عظيم في كل ألف – كما قالوا عن النظام- ، فإن العظيم من عصر ابن تيمية إلى عصرنا هذا هو شيخ الإسلام ابن تيمية نفسه ،فغفر الله له رحمه الله . ابن تيمية ليس مقلداً ولا متعصبا العالم لي مقلداً ، والمقلد ليس من أهل العلم؛ لأنه لا يقلد إلا من ضعفت بصيرته ، أو قل ذكاؤه ، أو ضحل علمه ، ولم يكن ابن تيمية كذلك ، بل هو الذي الأريب العالم المتبحر البصير بدينة؛ولذلك كان- رحمة الله – مجتهداً يعمل بالدليل ، ويستنبط بنفسه بعد أن فتح الله عليه ، ولم يكن متعصباً لقول أحد من أهل العلم ، إنما كان قصده الحق ومطلبه البرهان ، فإن يذهب مع الدليل أينما ذهب ، وقد رأيت في كثير من المسائل أنه يرجح غير المذهب الذي نشأ عليه وهو المذهب الحنبلي ؛ فأحياناً يرجح الحنفي أو المالكي أو الشافعي ، أو يأخذ قولاً غير الأقوال الأربعة إذا رأى أن الدليل يسانده ويسعفه ، فليس من متعصبة الفقهاء الذين يغلبون أقوال المتهم ، ويرجحون مذاهبهم بالتشهي والهوى ولو خالف الدليل ، بل كان سائرا مع المذهب الحق ، طالباً الحقيقة ، متعصماً بالكتاب والسنة ، لا ير إلا الدليل من قال الله وقال رسوله عليه الصلاة والسلام ، ويوصي بذلك في كتبه ورسائله . إخماله لمعاصريه من المدح الذي يشبه الذم لابن تيمية أنه أخمل معاصريه من أقرانه وزملائه وكانوا نجوماً في العلم ، ولكن طلعت شمسيه فاختفى كل كوكب ، كما قال النابغة فإنك شمس والملوك كواكب *** إذا طلعت لم يبد منهن كوكب فكان ابن تيمية – بحق – رجل المرحلة ، فلما ظهر لم يكن لغيره ما له من الصيت والصولة والجولة والمكانة والمنزلة ، فصار حديث المجالس ومشغل الدول ، وكان حديث الركب حتى ضرب بعلمه وبذكائه المثل ، فالذين كانوا أئمة في عصره كالمزى والذهبي والبرزالي ، أو من أصحاب وطلابه كابن كثير ، أو من أقرانه كالسبكي والزماكاني ، وغيرهم كثير لم يكن لهم ذلك الاشتهار والانتشار مثل ما له ، بل كان بعض هؤلاء الأئمة الكبار إنما يشتهر لأنه صاحب ابن تيمية ، أو طلب العلم عليه ، أو رافقه ، أو رد عليه وعارضه . ابن تيمية وفقه التيسير الدين يسر ، ومن أعظم صفات الدين أنه سهل لا صعوبة فيه ولا تعقيد ، والله يقول : ( وما جعل عليكم في الدين من حرج ) ، وقد فهم ابن تيمية ذلك ، وفقه هذه المسالة أتم الفقه ، فكان – رحمه الله – يسيراً سهلاً في فتاويه ، وفي أحكامه الصادرة ، وفي مناقشاته ، يدرك اليسر في دلالة النصوص ، وفي مقاصد الشريعة ، فتجده إذا تكلم في أبواب المعتقد أتي بأيسر المسائل ،وبين لك أن الدين أتي لرفع الحرج ووضع الآصار والأغلال عن الأمة ، وتكلم عن مسائل العفو والتوبة والمسامحة والمغفرة والرحمة ، وإذا تكلم في الفروع أتى بالرأي الأيسر الذي يسعفه الدليل ، فكم من مسألة شاقة إنما جاءت مشقتها من أهل الفقه كالمسح على الخفين مثلاً ، أو القصر في السفر والفطر فيه ، أو غير ذلك من مسائل الطهارة ، أو الصوم، أو الصلاة أو الزكاة أو الحج أو غيرها من المعاملات، فيأتي هذا الإمام فبين أن هذه المشقة ليست في كلام الله عز وجل ولا كلام رسوله صلى الله عليه وسلم ، وأن الصحيح في هذه المسالة كذا وكذا ، فيكون قولة هو أسهل الأقوال في الباب ، مع العلم أنه لم يخرج عن الدليل وإنما كان الدليل معه – رحمه الله – فلابد أن تكتشف هذا الأمر في بحوث ابن تيمية ، وفي كتبه ، وأن تعلم أنك إذا قارنت كلامه بلام غيره من الفقهاء والأئمة والعلماء ظهر لك أن قوله – في الجملة – أيسر الأقوال وأسهلها والينهاا وأحسنها وأقربها للدليل . |
|
09-04-2014, 12:59 AM | #29 |
مشرفة القسم الاسلامي وقسم حرية الفكر وتطوير الذات
آل مره
|
رد: *** ركني الهادي *** من حبر اقلامهم ***
نقصه بالدليل لكثير من المسائل المقررة كم من مسألة قررت في كتب الفقه وبخاصة كتب المذاهب ، وجاء هذا الإمام وبين أن الحق في خلافها ؛ خذ مثلا المذهب الحنبلي الذي نشأ عليه ابن تيمية وأهل بيته ،كم من مسالة قررت درسها الناس ونشأ عليها طلبة العلم ، فلما جاء هذا الإمام بين أن الحق خلافها ، فالحنابلة – مثلاً – يبدؤون كتب الفقه بقولهم ك المياه ثلاثة أقسام ، فيخطئم ويقول المياه قسمان فقط : طاهر ونجس ، ويقولون – مثلاً – إذا اشتبهت ثبات طاهرة بنجسه صلى بعددها وزاد صلاة ، فيبين أن هذا خطأ ، بل عل المصلى أن يتحرى ولا يلزمه أن يصلي بعددها والمسح على الخفين اشترطوا فيه شروطا ليست في الكتاب ولافي السنة فيبين أن هذا من الآصار والأغلال ، واشترطوا مسافة محددة بالأميال بالسفر فيبين أن هذا ليس موجوداً في الكتاب ولا في السنة ، بل لا يسمى سفراً أيضاً ،وفي مسائل الحيض أتوا بمسائل شاقة على المرأة بين أن السنة خلاف ذلك بالدليل والبرهان ، وفي مسائل المعاملات والبيع والشراء والصرف والإجارة وغيرها ن=من الأواب بين ونقص كثيراً من المسائل بالدليل البرهان ، ولم يأته بقول أحد إلا بقول الله عز وجل وقول رسول صلى الله عليه وسلم ، فكان يعظم هذا النص ويحترمه ويوقره ويعمل بمقتضاه معرفته لأسرار السيرة هذا الإمام ملم بسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وسيرة أصحابه ، عارف بدقائقها ، مطلع على تفاصيلها ، قضية ، ومسالة مسالة ، والعجيب أنه إذا تكلم في الخلافة والملك وقضايا الصحابة والمغازي والسير والملاحم لا يوردها إيراداً فحسب ، بببل يقف وقفة مستبصرة متفقة عالم ويخرح لك كنوزاً وهو بكتب في هذه القضايا ،دون أن يسبق إلى هذه الكنوز التي يستخرجها ؛ أذكر على سبيل المثال انه ذكر حديثين عن الرسول الحديث الأول : " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين .." الحديث والحديث الثاني : " اقتدوا باللذين من بعدى أبي بكر وعمر ، وكلا الحديثين في السنن ، قال أما الأول فإنه أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالاقتداء بالأربعة الخلفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ؛ لأنهم على هداية في الجملة ؛ ولأنهم من أفضل الصحابة رضوان الله عليهم أو كما قال ، ثم خصص صلى الله عليه وسلم أبا بكر وعمر في الحديث الثاني ؛ لأنه كمل زهد أبي بكر وعمر في الرئاسة والمال ، وأما عثمان فتأول في المال ، وأما علي فتأول في الدماء ، فخصص صلى الله عليه وسلم أبا بكر وعمر بتمام اتباعهما وكمال رشدهما رضي الله عن الجميع . وفي مسألة أخرى لما ولى أبو بكر خالد بن الوليد ، ثم لما تولى عمر الخلافة نزعة وعزله وولى أبا عبيده ، قال ابن تيمية في ذلك : إن أبا بكر رجل لبن رقيق يصلح له رجل قوي شديد وهو خالد بن الوليد ، وإن عمر قوي شديد يصلح له رجل لين رقيق وهو ابوعبيدة ، فبين أن من السياسة الشرعية أن يكون الخليفة والقائد على خلاف في بعض الصفات ، ليكمل أمر الأمة في اللين والقوة والشدة ، إلى غير ذلك من الأسرار التي ذكرها في كتبه – رحمه الله – لماذا لم يفسر القرآن كاملاً ؟ طلب من ابن تيمية أن يفسر القرآن ، فرد بأن غالب القرآن واضح معلوم للقارئ ، وإنما هناك آيات تحتاج إلى شيء من البيان والتفسير ، وهذا الذي قاله صحيح ، مع العلم أنه ينسب إليه أن له تفسيراً كاملاً فالله أعلم بذلك ، لكن في الجملة لم ار له إلا تفسير بعض الآيات في القرآن، واشتغل – رحمه الله – بالتأليف والفتيا وتأصيل المعتقد والذب عن السنة والرد على الطوائف ، ولكن العجيب أنه إذا أتى إلى آية وأراد شرحها جاء بشيء لا يوجد – غالباً – في كتب التفسير ؛ من براعة الاستنباط وحسن الاستدلال وعميق الفهم ورسوخ الفقه ، وربما سأل قلمه فأكثر في الآية وأورد إيرادات واستشكل إشكالات وحلها وبين الصواب في ذلك ، وربما رد على كبار المفسرين وناقشهم من حيث الدلالة واللغة ، ومن حيث المقاصد الشرعية ، ومن أراد أن ينظر في ذلك فلينظر إلى الأجزاء التي جمعت له في باب التفسير ، مع العلم أنه نسب إليه أنه فسر ( إنا أرسلنا نوحاً إلى قومه ) على المنبر في الأسبوع مرة واحدة يوم الجمعة فيما يقارب ثلاثين سنة ، فدخل في الرسالة والرسل ، وأتى بكلام عجاب ، كتب بعضه وبعضه لم يكتب . لماذا لم يؤلف ابن تيمية كتاباً جامعاً في الفقه ؟ لم يعلم عن ابن تيمية أنه ألف كتاباً جامعاً في الفقه من أول أبوابه إلى آخره ؛ لأنه كان مشغولاً بقضايا أهم ؛ فهو يرى أن كنت الفقه موجودة على المذهب ، وأنها مبسوطة ومختصرة ومتوفرة ، لكن الأهم من ذلك – كما يبين هو – مسائل الأصول في المعتقد ، ونصره السنة ، والرد على المخالفين من الكفرة والمبتدعة الضلال ، وكان هذا شغله الشاغل ، فلم يكرر نفسه أو يكرر المكتبة الإسلامية ، بل جاء بالجديد المؤصل النافع المفيد ، وأتى بشيء لم يكن موجوداً من قبله ، وسد على الأمة فراغاً كبيراً ، وبنى لها صرحاً من التأصيل العلمي والتأليف النافع المفيد . ولم يشرح ابن تيمية كتاباً – فيما أعلم – إلا ( العدة ) ، شرح منه جزءاً ، ولكنه لم يشرح كتاباً فقهياً كاملاً من أوله إلى آخره على حد علمي ؛ لأنه اشتغل بما هو أهم وأعظم كالدعوة ونشر العلم والجهاد في سبيل الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . |
|
09-04-2014, 03:09 PM | #30 |
مشرفة القسم الاسلامي وقسم حرية الفكر وتطوير الذات
آل مره
|
رد: *** ركني الهادي *** من حبر اقلامهم ***
التفاؤل والرجاء عند ابن تيمية صدر ابن تيمية منشرح ، ونفسه قوية واثقة بربها سبحانه وتعالى ، وهو صاحب ثقة فيما عند الله عز وجل ، ومتفائل بالنصر دائماً والعاقبة الحسنة لأولياء الله ، وهو حسن الظن بربه ، وينظر بنظرة متفائلة للأمور ، وهو صاحب رجاء ؛ فإذا تكلم فيما أعد الله لأوليائه أسهب وأظنب ، وإذا تكلم عن أهل التوحيد بين ما لهم عند الله عز وجل من مصير مبارك ، وأذا تكلم عن التوبة رغبك في رحمة الله عز وجل ، وحبب إليك الإنابة ، وقربك من المغفرة ، وذلك على طريق العودة إلى الله عز وجل ، لا تقرأ في كلامه اليأس ، ولا تفهم منه القنوط ، ولا تجد فيه إحباطاً ، كما يفعل بعض غلاة الصوفية الذين يقتلون النفس بكثرة التأنيب وسياط التأديب ، ويكثرون من النقول في مسألة الخوف حتى يصاب الإنسان بالإحباط والقنوط واليأس من روح الله ، فيترك العمل ، لكنك كما قرأت لابن تيمية وجدت نشاطاً وانبساطاً وراحة وقوة على العبادة وعلى الذكر ، وزال عنك الهم والغم والحزن، وهذا أمر مجرب شهد به أصحابه وطلابه ، ومن شك في ذلك فليأخذ فترة من فترات الزمن ويبقى على اتصال بكتب هذا الإمام ، ثم لياخذ فترة أخرى ويقرأ لغيره ، ليجد البون الشاسع في هذه المسألة الكبرى . ابن تيمية والشعر الأدب – في العموم – قالب جميل وحسن يقدم فيه العالم علمه ، وابن تيمية صاحب عبارة أخاذة آسرة ساحرة في الجملة ، ولكنه لم يكن شاعراً بالمعنى الحقيقي ، ربما نظم القصائد والأبيات واستشهد لكبار الشعراء كالمتنبي وغيره ، ولكن بحد وباقتصاد ، وربما شرح البيت الذي يورده ، فيأتي بشاهد على كلمة في اللغة ، أو بدليل لرايه ، أو ينقل لكلام غيره من النظم ، إذا أراد ؛ فقد كتب قصيدة رد فيها على يهودي في أكثر من مائتي بيت في جلسة واحدة ، وكان يكتب المقطوعات التي فيها الدعوة إلى الله عز وجل ، وبيان مذهب الحق ، وربما استشهد بالبيت بالعيد في مسألة المحبة والخوف والرجاء ، وهذا من الاستشهاد الإشاري . ابن تيمية والأمثال إذا أسهب ابن تيمية في الحديث أورد بعض الأمثال التي سارت في الناس ، أو أنشأها من نفسه هو ؛ مثلاً تحدث عن ( البطائحية ) في وجود أصحابه وطلابه – والبطائحية فرقة صوفية ضالة ، كان عندهم شيء من الإسلام ، فكانوا إذا ذهبوا إلى الكفار مت التتار ظهرت بعض الكرامات لهم ، فإذا ، فإذا جاؤوا إلى أهل السنة بطلت كراماتهم ! فقال شيخهم له : ما لنا إذا ذهبنا إلى الكفرة التتار ظهرت كراماتنا وإذا أتينا إليكم بطلت ؟ قال : مثلكم ومثلنا ومثل التتار كخيل دهم – يعني فيها شيء من البياض – إذا دخلت بين خيل سود ظهرت بيضاء ، و، إذا دخلت في خيل بيضاء ظهرت سوداً ، فأنتم دهم ؛ لأن عندكم شيئاً من الإسلام ، والتتار سود لما عندهم من الكفر ، ونحن بيض لما عندنا من نور السنة ، فإذا ذهبتم إلى التتار ظهر بياضكم الباقي عندكم فصرتم بيضاء ، وإذا أتيتم إلينا ظهر سوادكم لظهور السنة ووضوح الحق لدينا ، قال : فتعجب الأصحاب من مثلي ! وسمع صوفياً يقرأ ( فخر عليهم السقف من تحتهم ) ! فضربه وقال : لا عقل ولا قرن ! لأن العقل يدل عل أن السقف من فوق ، والقرآن فيه( فخر عليهم السقف من فوقهم) . وله أمثال في ذلك لا يتسع المقام لذكرها، مما يدلك على سعة دائرة الرجل ، وعلى فهمه وبراءته وذكائه ، واستخدام كافه الثقافات في تقوية ما يدعو إليه وما ينشره في الناس من علم . كتب ابن تيمية بين العامة والخاصة لابن تيمية كتب لا يفهمها إلا الجهابذة العباقرة كـ ( درء تعارض العقل والنقل ) ؛ فإن فيه من المسائل الشائكة ، وقوة الاستدلال ، وصعوبة العبارة ، ما يرد بها عل أهل الفلسفة وعلماء المنطق ، ونجده – وهو يرد على هؤلاء – يوغل ويسهب ويتعمق في مسائل لا يدركها العلماء العاديون أو صغار طلبة العلم، فضلاً عن العامة ، فهذه ميزة ابن تيمية ؛ يوجه الخطاب للناس على كافة المستويات ، فله كتب يخاطب بها خواص الناس ،وله كتب ميسرة سهلة ككتاب ( الواسطية ) أو منهاج السنة أو ( اقتصاد الصراط المستقيم ) أو ( الصارم المسلول على شاتم الرسول ) صلى الله عليه وسلم ،وغير ذلك ، فميزته أنه لكل الطوائف ؛ فمن أراد الإيغال والعمق والدقة فله كتب ، ومن أراد السهولة والشرح والبسط فله كتب ، وغالب رسائله وفتا ويه في ( الفتاوى ) تفهم من العامة إذا قرئت عليهم من أول وهلة ؛ لأنه يوضحها ويسهلها ويجلبها ويقربها ، بخلاف غيره من العلماء ، فإن بعضهم إذا ذهب وراء التخصص الدقيق كعلم المنطق أو الفلسفة أو أصول الفقه أغلق العبارة ، وتكلم إلى طائفة خاصة ، ثم لا يستطيع أن يخاطب العامة ، وبعضهم إذا تكلم للعامة بسط العبارة وشرحها ، ولكنه لايرتقي أسلوبه ليخاطب به خاصة أهل العلم والندرة الذكية منهم . |
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
Rss Rss 2.0
Html
Xml Sitemap SiteMap
Info-SiteMap
Seo By RaWABeTvB_Seo