سد وادي تندحة وتأملات ناظر
الحمد لله رب العالمين، أمرنا بالتفكر في آياته، والتأمل في مخلوقاته وإبداعاته، والصلاة والسلام على خير المتفكرين، وسيد المتأملين محمد بن عبدالله الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
ففي عصر يوم الخميس السابع من شهر جمادى الأولى من عام ثمانية وعشرين وأربع مئة وألف لهجرة سيد ولد عدنان - عليه من ربه السلام - خرجت مع أهلي وأولادي إلى سد وادي تندحة، وعندما مررنا بهذا السد العملاق – لمن لم يرى غيره – الذي يحتضن كمية هائلة من المياه.
وأنا أتأمل في هذه المياه التي أنعم الله بها علينا في هذه الأيام، وبين هذا السد الذي منع الماء من المرور، وبين الناس الذين يتوافدون للتمتع بهذا المنظر الرهيب، وتلك الأماكن الجميلة التي يتحرر فيها الإنسان من الحياة المدنية، والترف الزائف.
كنت أتأمل هذا السد وأتأمل الناس الذين حوله وتلك المياه الهادرة فتوصلت إلى تأملات منها:
1- أننا خلقنا من طين ونحب الطين.
2- أننا لا نستغني عن الماء، لأننا خلقنا من ماء مهين، وهو أيضاً سبب بقائنا في هذا الكون وصدق الله إذ يقول:{ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ }[الأنبياء:30].
3- أن النفس تمل ولابد من إجمامها بالمباح، وفي ذلك مواقف للنبي – صلى الله عليه وسلم -.
4- بعد التأمل في هذا السد والناس حوله توصلت إلى أن السدود سدان، وأن الناس تبع للسدين صنفين:
فأما السدان:
أ- فسد يحبس الماء للشمس والهواء، فلا يستفيد منه أحد من الناس، وكأن حاله أنه يتفاخر بما حواه من ماء، وهو لا يبالي بما وراءه من الحياة، وكأنه لا يعلم أن من خلق الله من بني الإنسان ينتظر بفارغ الصبر تلك المياه التي بها عيشه، وبها لذته وأنسه، ولسان حل من وراءه :{رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ }[الدخان:12].
ب- وسد جمع الماء لبني الإنسان، فلم يكن له حابسا، ولا به ضنينا، بل يحفظه للناس ليستفيدوا منه، وترتوي آبارهم، وإذا أجدبوا أخرجه لهم وهم له من الطالبين، وللقياه مشتاقين، ولربهم به شاكرين.
ـ وأما الصنفان من الناس التابعين للسدين فهما:
أ- صنف آتاه الله من النعم ما لا تحصى، ومن النعيم مالا يعد، آتاه علماً، أو مالاً، أو جاهاً، أو منصباً، أو مجداً، أو جمع الله له من النعم ما لم يجمعه لغيره ومع ذلك فهو لهذه النعم محتكراً ظالماً، فلا لنفسه نفع، ولا لغيره دفع، فيبقي نعمه للفناء، وعطاء الله له للزوال، فلا قريب نال من نفعه، ولا صديق حاز من فخره، ولا مسلم وجد من غنمه فبئس حامل النعم هذا.
قال الله تعالى:{ وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى * وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى} [ الليل:8-11].
وهذا الصنف يعيش لنفسه، فيعيش كئيباً حزينا، لا يأنس بمال، ولا يتلذذ بمنصب وجاه، فلا يوده الناس إلا مجاملة، ولا يحبه الناس إلا مدارة لشره، فالقلوب تبغضه، والألسن تسبه، والأعين تنظر إليه بدونية.
فإذا مات كان موته فتحاً، وراحة وأنساً، والناس شهداء الله في أرضه.
ب- وصنف آخر آتاه الله من النعم والنعيم فكان لها باذلاً، وعليها منفقاً، بذل ماله، وأنفق علمه، وجاد بجاهه ومنصبه، وكأن شعاره :(أنفق ما في الجيب يأتي ما في الغيب، وابذل تحصل)، ولكنه مع هذا البذل، وذاك العطاء يتمثل قول الله – تعالى – في صفات عباد الرحمن: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً }[الفرقان:67]، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لبلال بن رباح - رضي الله عنه -:( أنفق يا بلال ولا تخش من ذي العرش إقلالا ).
فهذا القسم يعيش حميداً ويموت سعيداً، وإذا مات انهالت الدعوات على جثمانه وضريحه كوابل من مزن رحمات ودعوات، وكانت الحسرة عليه ألماً، وفراقه رزية ومأتماً، فرحمة الله على تلك العظام الباذلة، وعلى تلك النفوس العالية.
وأختم بكلمة وسؤال:
أما الكلمة: فهي لطبيب القلوب والعالم الرباني أبو عبدالله محمد بن أبي بكر الدمشقي المعروف بابن قيم الجوزية حيث قال:(فأين من هو نائم وأعين العباد ساهرة تدعو الله له، وآخر أعينهم ساهرة تدعو عليه) طريق الهجرتين(ص:525).
وأما السؤال: فمن أي الأصناف أنت؟
سوِّد بياض هذه الكلمات في منتزه التنور
بين الماء والشجر وعلى البطحاء بجوار الحجر
في يوم الخميس7/5/1428هـ
د. ظافر بن حسن آل جَبْعَان